ذ/ فاضيلي محمد الرايس – يكتب: رسالة إلى صاحب الفخامة السجين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلىآله وأصحابه أجمعين.

أما بعد فإن من وفقه الله عز وجل وجمع له بين الإيمان والعمل الصالح سيري أثر توفيقه هذا محبة  في قلوب الناس  .  و من نعم الله عز وجل على عباده الذين جمعوا بين الإيمانوالعمل الصالح ، أن جعل لهم ودا، أي محبة و ودادا في قلوب أوليائه وكافة أهل السماءوالأرض، فمحبة  الناس دليل قاطع على محبة الله سبحانه وتعالى . ولن ينال الانسان هذه المحبة  الا اذا أحسن إلى الناس وترفق بهم وعفا عنهم  فمن عفا عفا الله عنه  ومنأطاع الله  وعامل عباده بما يرضيه ، نال محبة الله ومحبة عباده واستوثق له أمره.

أيها الرئيس الكير

ما بقي لك من المناصرين الا القليل من ذويك والبعض اليسير من أصحاب الحاجة الذينلا يبالون بمضرتك اذا ادركوا حوائجهم مما أخفيت رغم الحجز ، حتى ولو كان في ذلك هلاك دنياك وآخرتك  . يجب ان تدرك ان صداقة المنافقين عداوة ، فهم يريدون أنيصيروك كالكير، تنفخ بطنك وتعصر أضلاعك  لتحقيق مصالحهم ، و لو أتيحت لهم فرصة اكلك لجزروك كما يجزرون الشاة.

ألم تر أنهم ذبحوك أكثر من مرة  بغير سكين لا لشيء إلا من أجل مصالحهم و كماتخذوك معبرا الى أوطارهم وأنت لا تشعر، وكم بعت آخرتك بدنياهم وأنت لا تعلم ، همأعداؤك وإن تصوروا بصورة الأصدقاء المخلصين و قطاع طرق وإن تصوروا بصورة الاعوان الناصحين .

يبدو أنك نسيت ما كنت نبهتك عليه في مرافعتي أمام  المحكمة المختصة بالفساد وأنت ساعتها  في قفص الاتهام،  لا حول لك ولا قوة ،في مشهد،  بقضاء الله وقدره، كان عبرةلمن يعتبر إذ جاء في مرافعتي ما نصه: عندما أبلغت بأسماء لفيف الدفاع عن المتهمالرئيسي تيقنت أن هذا الأخير سينصرف أمره الى متاهات لا تزيده إلا وحلا ولا تبقي لهأي حميم ولا شفيع يطاع ” انتهي الاستشهاد .

وقد صدق ظني بالفعل عندما تبين أنهم أقنعوك بأن العناد والصلف و العدول عن الحقهو طوق نجاتك الوحيد .والحقيقة أنك لم تحذر مخالطة هؤلاء ولا غيرهم ممن تٌضيعصحبته الوقت و تفسد القلب ، فمتى ما ضاع الوقت وفسد القلب انفرط عقد أمور العبدكلها وكان ممن قال الله سبحانه وتعالى فيه : “ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبعهواه وكان أمره فرطا”.

وكما يقال فإنه إذا أراد الله بعبد هلكة ، كان أول ما يهلكه رأيه وفي هذا المنحى يقول عمربن الخطاب رضي الله عنه: ” الرجال ثلاثة ، رجل ترد عليه الأمور فيسددها برأيه، و رجليشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي ، و رجل حائر، بائر، لا يأتمر رشداولا يطيع مرشدا. و عملا بما جاء في التنزيل الحكيم  “بل الانسان على نفسه بصيرة ولوألقى معاذيره” ، بالله عليك من أي الرجال الثلاث  انت ؟

أيها الرئيس السابق

اعلم ان أدوم الناس معاناة أسوؤهم خلقا . وأن أحسنهم خلقا أكثرهم سعادة. عندماأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتدح رسوله الكريم قال في محكم كتابه  “ وإنك لعلى خلقعظيم “.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلا لينا ، قريبا من الناس ، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرا لقلب من سأله، لا يحرمه ولا يرده واذا أراد أصحابهمنه أمرا، وافقهم عليه وتابعهم فيه اذا لم يكن فيه محظور وإن عزم على أمر لم يستبد بهدونهم بل يشاورهم ، وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسبئهم ولم يكن يعاشر جليساالا أتم عشرته، فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ عليه في مقاله ولا يطوي عنه بشره ولايمسك عليه فلتات لسانه ولا يؤاخذه بما صدر منه من جفوة بل يحسن عليه غاية الإحسانويحتمله غاية الاحتمال .

أين هذا من شخص مؤمن بالله ورسوله يدعي أن له أتباعا و يزهو له اقتداؤهم به وهو كَلٌعلى المسلمين  شديد الشكيمة عليهم ، غليظ القلب ، فظ القول ، لا لين عنده ولا أدب  ولاتوفيق ؟

وبالفعل فقد نتج عن هذه المثالب من المفاسد وتعطيل المصالح و اختلاس أموال الشعبالنقدية والعقارية وتبييض الأموال والاثراء غير المشروع وسوء استعمال السلطة ، ماحصل مما يدركه الجميع ، وما ذلك قطعا إلا من الجهل وتلبيس إبليس

أيها الرئيس السابق ،

استمع الي قليلا رغم أنني على يقين من أنك لن تصغ لقوله سبحانه وتعالى “ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم .“ ، و كما هو واضح من هذه الآية الكريمة فإن أساس كل خير هو حسن الاستماع.  يقول أهل التمكين من القوم، لو علمهم أهلا للسماع لفتح آذانهم للاستماع، فهل بمقدورك أن تسمع بغثاء أوصافك و نعوتك لأن من تملكته الوساوس وغلب على باطنه حديث النفس لا يقدر على حسن الاستماع .

كما يقول أهل التصوف: القلب قلبان ، قلب قد احتشى بأشغال الدنيا حتى اذا حضر أمر من أمور الجد و الطاعة لم يدر صاحبه ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا، وقلب قد احتشى بأحوال الآخرة، حتى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر صاحبه ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة.

أيها الظالم لنفسه، كم بين بركة تلك الافهام الثابتة وشؤم هذه الأشغال الفانية التيأقعدتك عن الصواب و التروية والمداراة و الوفاء و حسن الخلق…يقول الله سبحانهوتعالي:” إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد ” وقد فسربعضهم “لمن كان له قلب سليم”

في الآية الكريمة بالسلامة من الأغراض والأمراض. سبحان من قال :” ومن يعش عنذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين .”

إن أول سبب لانهيار وهلاك  سلطانك هو اشتغالك بجمع الأموال لنفسك و أولادك ،قال تعالى:” يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلكفأولئك هم الخاسرون ” ، وقال جل من قائل :إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرعظيم ” وقال أيضا :” كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى ” ، وقال أيضا “ الهاكمالتكاثر.. ” وجاء في الحديث الصحيح:” ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم بأكثرإفسادا فيها من حُب الشرف والمال والجاه في دين الرجل المسلم “.وجاء فيه كذلك :” دعوا الدنيا لأهلها، من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر “. وبالرجوعالي مستندات ملف العشرية وما تضمنت الكشوف القضائية يتبين أن ثروتك القذرة تعدبآلاف المليارات ومئات العقارات والسيارات التي لا تعد  ولا تحصى  مما أدهشني شخصيا  وجعلني أشبهك علنا وأمام المحكمة بقارون العصر.

أما السبب المباشر والموضوعي الثاني لخراب حكمك فهو التكبر الذي ذمه المولى عز وجل في مواضيع كثيرة من كتابه. قال تعالي :” سأصرف عن أياتي الذين يتكبرونفي الأرض بغير الحق”  وقال :”جل من قائل “ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار” .

وقال :” واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ” وقال تعالي :” إنه لا يحب المستكبرين” وقدقال صلى الله عليه وسلم ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل منكبر.“

ومن المتفق عليه أن من الثمار الخبيثة للتكبر ، الظلم الذي وصفة الرسول صلي الله عليهوسلم بأنه ظلمات يوم القيامة.

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا   فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم

تنام عينك والمظلوم منتبه       يدعو عليك وعين الله لم تنم

وقال بعض السلف : لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء. وجاء في الحديث عنجابر رضي الله عنه : لما رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في أرض الحبشة ؟ فقال قتيبة  وكان منهم : علي يارسول الله، بينما نحن يوما جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلةمن ماء ، فمرت بفتى منهم ، فجعل إحدي يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة علىركبتيها و انكسرت قلتها ، فلما قامت التفتت إليه ثم قالت سوف تعلم يا غادر إذا وضعالله الكرسي فجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيادي و الأرجل بما كانوا يكسبون، سوفتعلم ما أمري و أمرك عنده غدا، قال فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” كيف يرحمالله قوما ضاع الحق بينهم .خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضي غضبه في الدنيا وإلا ثوى بهم في الآخرة إلى النار :  أمير قوم يأخذ حقه من رعيته ولا ينصرهم من نفسهولا يدفع الظلم عنهم، وزعيم قوم يطيعونه ولا يسوي بين القوي والضعيف ويتكلم بالهوى ،ورجل لا يأمر أهله و ولده بطاعة الله ولا يعلمهم أمر دينهم و رجل   استأجر  أجيرافاستعمله ولم يوفه أجره ورجل ظلم امرأة  في صداقها “.

وحتي تتضح الصورة ويفهم المقصود أقول أن لا شيء أسرع في خراب الأرض، ولاأفسد لضمائر الخلق ، من الجور ، لأنه ليس يقف على حد ولا ينتهي إلى غاية ولكل جزءمنه قسط من الفساد حتى يستكمل . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” ثلاث منجيات وثلاث مهلكات: فأما المنجيات فهي العدل في الغضب والرضا، وخشية اللهفي السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشح مطاع ، وهوى نفس، وإعجاب المرء بنفسه“. ومن أوكد العدل عدل الإنسان في من دونه كالرئيس في رعيته وأصحابه، فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء : اتباع الميسور وحذف المعسور وترك التسلطبالقوة واتباع الحق في السيرة .وجاء في الحديث الشريف عن النبي عليه الصلاةوالسلام أنه قال :” أشد الناس عذابا يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه ، فجار فيحكمه” .فكيف وضعت مقاييسك ومعاييرك وتدابيرك بهذا الخصوص؟ أم أنك لا تبالي وكلغاية  لديك تبررها كل وسيلة ؟

أما السبب الثالث لتردي سلطانك فهو الجهل المركب الذي لا يدري صاحبه أنه لا يدري بل على العكس من ذلك يتظاهر بالعلم والمعرفة الشاملة لكل فن .

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله   فأجسامهم قبل القبور قبور

من الله سبحانه وتعالى عليك بنعم ظاهرة، فمن دون سبب موضوعي ومن غير استحقاقأو تدريب داخلي أو خارجي أو شهادة تذكر ، تدرجت في أعلا الرتب العسكرية، وحظيت بحماية وتكريم وثقة وعطف معاوية ولد سيد أحمد الطايع ونلت تقدير وخلة المغفورله سيدي ولد الشيخ عبد الله لتصبح بانقلابك عليه رئيسا للجمهورية. و كما هو معلوم فإن الوصول إلى الحكم  قد يكون بطرق شتى و لكن حكامة البلد الرشيدة لا تكون إلا بالعقلوالعلم لما يتطلبه ذلك من مؤهلات اقتصادية ومالية و قانونية وتجربة سالفة في فنون و أشكال التسيير الفني المتشعبة داخل الدولة. فالسيارة المركونة يمكن لأي قرد أن يستوليعليها و لكن قيادة هذه السيارة بأمان تستدعي عقلا سليما وعلما بالأصول ، أما الحماقةو التهور فلا يجديان نفعا في الموضوع.

أيها الرئيس السابق

في خضم احداث محاكمتك امبري أحد محاميك فقال بصوت عال أن موريتانيا ستنهاربسب خلاف المحمدين على السلطة وما جري بينهما. فأجبته من دون تردد   قائلا:

محمودكم همه المال يجمعه   ومحمودي همه جمع المحامد

شتان ما بين المحمدين : فلا النشأة واحدة ، ولا التربية ، ولا المؤهلات العلمية والفكرية والثقافية ، واحدة كذلك . أما الفصاحة والقبول الاجتماعي والسياسي والكفاءة في تدبير الشأن العام ، فلا مجال للمقارنة فيها بين الإثنين .

من المسلم به أن الصحبة تكون على وجهين ، صحبة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجريالاضطرار ، وأخرى بالقصد والاختيار وهي أوكد حالا لأن أساسها التجانس والتشاكل. فما كان جاريا بالطبع ألزم مما هو حادث بالاضطرار. يقول بعض أهل العلم “بحسن تشاكل الاخوان يلبث التواصل “.و جاء في الحديث الشريف ” البذاء لؤم وصحبةالأحمق شؤم “. و في الأثر” اصطفي من الاخوان ذا الدين والحسب والرأي والادب فإنهردء لك عند الحاجة ويد عند

نائبتك وأنس عند وحشتك و زين عند عافيتك ، وفي كل الأحوال من لم تكن في الله خلته * فخليله منه على خطر.

إذا لم يكن صوف الوداد طبيعة    فلا خير في ود يجيئ تكلفا

ولا خير في خل يخون خليله       ويلقاه من بعد المودة بالجفا

وينكر عيشا قد تقادم عهده          ويظهر سرا كان بالأمس قد خفى

سلام على الدنيا إذا لم يكن فيها     صديق صدوق صادق الوعد منصفا

أيها الرئيس المتقاعد

تجاهلت في رسالتك أمرا في غاية الأهمية وهو مركزك الحالي. لست في الواقع إلا أحد ضيوف المؤسسة السجنية الوطنية، لك مال بقية السجناء وعليك ما عليهم لأن المساواة أمام القانون مبدأ دستوري يجب التمسك به فذلك أقرب إلى العدل والإنصاف.

الحق أنك جانح محوكم عليك بالسجن ومصادرة الأموال بحكم جنائي حضوري، فأنت إذن ومن حيث المبدأ لا تصنف إلا ضمن الفئة التي تعتبر تهديدا حقيقيا لكيان المجتمع  .

في دولة القانون لا يجوز لرئيس الجمهورية أخلاقيا ولا وظيفيا، أن يلقي أي بال لرسائلك  إلا في حدود طلباتك من أجل تخفيف العقوبة عنك أو إسقاطها بعفو منه بعد أن يصير الحكم عليك نهائيا . أما وقد اخترت لنفسك طريق التطاول و مطاردة الأوهام تضليلا لضعفاء النفوس ، فإنني أنصحك بالتمعن   في معاني ودلالات الأبيات التالية :

قالوا قد خوصمت قلت لهم      إن الجواب لباب الشر مفتاح

والصمت عن جاهل أو أحمق شرف     وفيه أيضا لصون العرض إصلاح

أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة    والكلب يخسى لعمري وهو نباح .

إلى أن نلتقي أمام محكمة الاستئناف إن شاء الله تعالى

ذ/ فاضيلي محمد الرايس